التحديات التي تواجه الكتابة بالتيفيناغ
محطات على درب التحديات التي تواجه الكتابة بالتيفيناغ
فتحي سالم أبوزخار
المركز الليبي للدراسات الأمازيغية
ⴰⵎⵎⴰⵙ ⴰⵍⵉⴱⵉ ⵉ ⵜⵉⵣⵔⴰⵡⵉⵏⵏ ⵜⵎⴰⵣⵉⵖⵜ
توطئة:
لقد قاومت التيفيناغ رياح التعرية اللغوية التي هبت على أرضها بدء من الفينيقية مرورا بالإغريقية والرومانية وحتى العربية وانتهاءً بالعثمانية أو العصملية ورجوعا للإيطالية والإنجليزية وحتى الفرنسية. إلا أن حبوب اللقاح الثقافية والحضارية التي حملتها رياح التغيير اللغوية ورافقت حط رحالها فتعاطت خلال مرحلة استقرارها مع التيفيناغ بشكل يدفعها للتطور والتعياش السلمي مع الوافد من كنوز ثقافية. ومع ذلك فقد حافظت التيفيناغ على استمرارية عذريتها لفترة أطول في أعماق الصحراء “تينيري” ⵜⵉⵏⵉⵔⵉ. فقد حافظت المرأة “تماهقت (تماهق) .. تمازغت .. تماشقت” على سر التيفيناغ بمسحة حنانها وحرصها على خصوصية مشاعرها العاطفية والوجدانية.
استمرارية استخدام التيفيناغ:
لقد ظلت أسرار التيفيناغ، وبالرغم من تطورها من التنقيط إلى الرسم، الشاهد على الكتابة الأمازيغية عبر التاريخ وربما ما يؤكد ذلك ثلاثة محطات في حياة الإنسان الأمازيغي تجدر الإشارة إليها وهي على النحو التالي:
استخدمت الكتابة بالتيفيناغ على الصخور كاستدلالات للقوافل العابرة للصحراء. وخاصة فيما يخص تحديد مواقع معطن الماء حسب ما طرحه الباحث وفنايط الكوني (1).
____________
(1) وفنايط الكوني، ” ولدت الأبجدية في مصر تصويرية فطورت في ليبيا إلى حروف التيفيناغ” ندوة بعنوان: اللغة الأمازيغية من الشفاهة إلى الكتابة، المركز الليبي للدراسات الأمازيغية، طرابلس-ليبيا، 25 فبراير 2017.
من الملاحظ على وجوه النساء الليبيات وخاصة الأمازيغيات استخدام التيفيناغ كزينة ووشم على وجههن وأيديهن وأرجلهن. فنجد وخاصة أحرف التنقيط الأولى أكثر استخداما وربما لأنها الأقدم والأسهل وقد تكون الأجمل على غرار الندبة السوداء على الخد وما يطلق عليه في ليبيا “بوسة (قبلة) الخال”. بالإضافة إلى الخطوط وهي بالتأكيد إضافة للتزين والتجمل.
من الاستخدامات المستمرة إلى تاريخ اليوم في العالم السيمة. ونجد استمرارية استخدام التيفيناغ “كسيمة” ليعض القبائل الليبية لتمييز حيواناتها التي قد تختلط مع قطعان أخرى أو تظل الطريق وتسير على غير هدى بعيدة عن مراعيها ومحل إقامة أصحابها.
التيفيناغ وتحديات الحرف العربي واللاتيني:
يعتبر تعدد مدارس الكتابة للغة الأمازيغية من أكبر التحديات التي ستواجه الكتابة بالتيفيناغ. فبالإضافة إلى تيفيناغ الساحل والصحراء نجد الحرف الأرامي “العربي” واللاتيني. ومع أنه من جانب قد يخلق نوع من الإرباك إلا أنه وفي المرحلة التأسيسية في التحول إلى الكتابة الأمازيغية قد نكون مضطرين للتعامل مع استخدام الأحرف الثلاثة المختلفة ولو مؤقتا، مما سيشكل بالتأكيد عبأ إضافيا على أساتذة اللغة الأمازيغية والمثقفين والأكاديميين الأمازيغ. وفي هذا الصدد يشير أزروال (1) إلى أنه ” استخدمت في الكتابة مختلف الأحرف المتاحة : الحرف الآرامي والحرف اللاتيني وحرف التيفيناغ (بأشكاله المختلفة) وبقواعد وصيغ متفرقة، فيتم أحيانا الاكتفاء بحرف واحد، ويكون إما اللاتيني أو الأرامي، ويتم أحيانا أخرى استخدام حرفين أحدهما هو التيفيناغ والآخر أحد الحرفين الآخرين. ويبرر أغلب المبدعين خياراتهم في هذا الصدد، كيفما كانت، بقابلية القراءة، لكن الأمر يصبح معقدا ومربكا حينما يتعلق الأمر بالمشهد الأدبي الأمازيغي الجديد ككل، حيث يعطي هذا الوضع إحساسا بالتردد والتفكك، ويدعو القارئ والمستهلك إلى الريبة وعدم الثقة. ”
_________
(1) فؤاد أزروال، “الأدب الأمازيغي الجديد، مفهومه وعناصره”، 7 يوليو 2013.
هل من أيديولوجيا وراء اختيار الكتابة الامازيفية؟
جدلية اختيار الحرف والمفاضلة بين الأرامي واللاتيني والتيفيناغ قد تضع بعض العراقيل أمام التحول إلى الكتابة بالنسبة للغة الأمازيغية. وهذه التحديات بالتأكيد ستدفعنا إلى السؤال حول مدى ارتباطها بالأيديولوجيات كما يناقش الأستاذ/ مبارك بلقاسم (1) بالرغم من احتمالية أنه ينطلق من خلفية فرنكفونية ويطرح سؤالا مهما ويجيب عليه بقوله: ” فما هو عدد أنواع الحروف والأبجديات والخطوط الموجودة في العالم تاريخيا منذ اختراع الكتابة؟ إنه لا يتجاوز حوالي 130(2) نوع من الحروف والأبجديات والخطوط حسب سجل Unicode بما والأبجديات والرموز التي انقرض استخدامها كالهيروغليفيات القبطية والحرف فيها الحروف الفينيقي والحرف الجرماني.” وينتهي بالقول إلى أن: ” انقراض اللغة أخطر مليون مرة من انقراض استخدام الحرف” (3).
مع احترامنا لوجهة نظر الأستاذ بلقاسم (4) بأهمية الحفاظ على اللغة من الانقراض إلا أنه من وجهت نظرنا فإننا نرى بأن الحروف هي التي يصقل بها الوعاء الحامل والواقي لهذه اللغة من الانقراض، والداعم لتطورها ونموها وصقلها وتجددها.
انطلاقة الكتابة الأمازيغية في ليبيا:
مع تحرر الأمازيغية من قيود التبعية للنظام الدكتاتوري العنصري السابق انطلق متطوعات من الأمازيغيات الشابات ومتطوعين من الأمازيغ الشباب لتعليم الأمازيغية للطلبة خلال حرب التحرير 2011 بالعديد من مدن جبل نفوسه. واستخدمت التيفيناغ لتعليم الكتابة بالأمازيغية بل أصدرت بعض المجالس المحلية رسائلها الرسمية بالتيفيناغ إلى جانب العربية. كما وأصدرت منشورات وصحف بالتيفيناغ ومن بينها مجلة تيللي ⵜⵉⵍⵍⵉ (الحرية) وأضحت التيفيناغ الحروف المعبرة عن الكتابة الأمازيغية.
_________
(1) مبارك بلقاسم ، ” اللغة الأمازيغية أهم من حروف تيفيناغ واللاتيني والعربي ” ، الاثنين 23 مارس 2015
(2) هناك من يعددها بـ 150
(3) المصدر السابق
(4) المصدر السابق
بعد التحرير كانت هناك جهود، لثلة من الشباب الأمازيغي، سعت وراء إصدار القانون المؤتمر الوطني العام رقم 18 القاضي بمنح المدن الناطقة بالأمازيغية الحق في تدريسها. فأطلقت شعلة تنوير التيفيناغ لتبدد ضباب العنصرية الجاثم على كنوز اللغة الأمازيغية وموروثاتها الثقافية. فاليوم ولخمسة سنوات على التوالي يتم تعليم وتعلم اللغة الأمازيغية في المراحل الابتدائية من الصف الأول إلى الخامس باستخدام التيفيناغ، لذلك لن يكون منطقيا خلق تناقض وتضاد مع مراحل الدراسة المتقدمة من بعدها باستخدام أحرف مخالفة. ومع هذا فجب الاقتناع بضرورة قبول الإطلاع على أو الاستدلال بأي كتابات أمازيغية بأحرف غير التيفيناغ فيما يخص البحوث والدراسات الجامعية والرسائل العلمية. لذلك من المهم وجود من هم على إطلاع ومعرفة ودراية باستخدام الحرف اللاتيني بحيث يستفاد من الانتاج الأمازيغي باللاتيني سواء ما كتب منه في الماضي أو ما سيكتب بإذن الله في المستقبل.
الخلاصة والتوصيات:
مما تقدم ومع استمرار مقاوم أهلنا “ئيموهاق، ئيموزاغ، ئيموشاق” في الصحراء الليبية لرياح التغيير من اللغات الوافدة فقد ظل استخدام التيفيناغ إلى اليوم بتينيري ⵜⵉⵏⵉⵔⵉ. كما لا يمكن تجاهل الجهود التي بذلت لأجل بعث التيفيناغ ونفخ روح الحركة فيها بعد أن ظلت الأمازيغية مهددة بالانقراض لغة وكتابة على مناطق الساحل والجبل، لذلك التفكير في بديل عنها سيكون صعب جدا. ومع هذا فإننا نوصي بالأتي:
- الحرص على تواصل الحبل المعرفي للتيفيناغ بمختلف مراحل التعليم. فلا يمكن قبول قطع الحبل اللغوي للتيفيناغ بمراحل التعليم الابتدائي والتفكير في غير التيفيناغ كأداة وصل وتواصل في التعليم المتقدم والجامعي.
- الاهتمام بالإنتاج المعرفي الأمازيغيى المكتوب بغير التيفيناغ والحرص على تجميعه والاستفادة منه في الدراسات والبحوث الأمازيغية.
- سيحتاج طلبة الدراسات الجامعية والعليا إلى تعلم الكتابة بغير التيفيناغ لدعم بحوثهم ودراساتهم ولكن بدون الاستغناء عن الكتابة بالتيفيناغ.
المراجع والمصادر:
[1] وفنايط الكوني، ” ولدت الأبجدية في مصر تصويرية فطورت في ليبيا إلى حروف التيفيناغ” ندوة بعنوان: اللغة الأمازيغية من الشفاهة إلى الكتابة، المركز الليبي للدراسات الأمازيغية، طرابلس-ليبيا، 25 فبراير 2017.
[2] فؤاد أزروال، “الأدب الأمازيغي الجديد، مفهومه وعناصره”، 7 يوليو 2013.
[3] مبارك بلقاسم ، ” اللغة الأمازيغية أهم من حروف تيفيناغ واللاتيني والعربي ” ، الاثنين 23 مارس 2015